بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المنظر: فتاة تجلس إلى كتبها الكثيرة المتناثرة وقد بدا عليها حيرة البحث.. واستعصاء الحل.. تقلّب الكتب تارة.. تكتب تارة.. تستند إلى كرسيها مرهقة تارة..
تدخل فتاة أخرى وترى هذه الحيرة.. فيدور بينهما الحوار التالي:
- ما الأمر ؟ أراك مهتمة..
= قد سكنت في عقلي ظُلْمة!. وغدا في تفكيري سقم.. وتحدّر فهمي في الغمة..
- خيرٌ !..
أتراك عصيت مولاك ؟.. فلتنهضِ حالاً للتوبة.. أم أنتِ أسأتِ إلى أحد؟.. بالعذر ستنزاح الغمة !.
= لم يحصل من هذا شيء !
- فلتحكي إني في حيرة..
= مسألة في النحو مهمة !!.. استعصت حتى لكأني .. لم أعرف من علمٍ اسمه.
- مسألة!! توردكِ هلاكاً ؟!.. هاتي ما عندك .. فلعلي.. أسطيع لك منها فكاكاً..
= ( أمتنا أمة أمجاد ).. ما الإعراب لكلمة ( أمة ) ؟!
- أمة ؟!.. آهٍ.. من هذي الأمة.. لَسؤالكِ يفتح آلاماً.. ويفتّق جرحاً ويسمّه !!.. لا أعرف أصعب من هذا إعراباً .. أو حتى بياناً للكلمة !!..
فالآراء فيها اختلفت..
والأقوال بها ما اتحدت.. والكل يحاول تبياناً.. نحن والواقع والعالم بل حتى الأعداء..
وهنا.. تفد فتاة تلو الأخرى.. يستعرضن هذه الأقوال.. ويكشفن ستار الحال والمآل..
1/ الأمة حتماً مجرورة !!.. مجرورة نحو الأهواء.. مجرورة بيديْ سفهاء.. مجرورة.. هذا واقعها.. بالذل تساقُ لمجزرها.. والعجز قيودٌ تأسرها.. أمتنا .. باتت مكسورة.. ويديها صارت مبتورة.. والباغي يعبث بساحتها.. دمّرها.. اسكنها شروره.. أخفى منها معالم طهرٍ.. ولطيشه صارت كالصورة.. أمتنا.. باعت عزتها.. برخيص وشَرت أسطورة.. أسطورةٌ من صنع عدوٍ.. أغراها بزيف التطوير.. أمتنا.. يا ويح فؤادي.. أشلاء قطعاً منثورة.. تلهث خلف تراب الدنيا.. وتنكّس جبهتها العُلْيا.. نسيت أن هناك جنان وأن الدرب هو القرآن وأن السعد مع الرحمن غفلت عن سنة هاديها.. زهدت في عيش ينجيها.. أمتنا.. حقاً مجرورة..
2/ أخطأتِ.. ( الأمة ) حتماً منصوبة.. لا بالفتحة ولا بالياء.. بل بجراحاتٍ ودماء.. منصوبة فوق العمدان.. تتحرّى حكمَ الطغيان !! بالتشريد وبالتقتيل.. أمتنا.. يا ويح الأمة.. مُقيدة خلف القضبان.. والتهمة: ظلم .. بهتان.. تتلظى سعيراً من هم.. هذا طفل فقد الأم.. هذا شيخٌ صحب الغمّ.. هذا وطن جُرع سمّ.. وتنادي.. ما من أعوان.. أبناؤها بين النيران.. نار الذل ونار الضعف.. نار العجز.. ونار الخوف.. نار الترف.. ونار السخف.. أين الجسد الواحد فينا ؟ أين خصال منها سقينا ؟ باللهو ملأنا الأوقات.. بالجهل.. غشينا الساحات وصرخنا فخراً بالذات ! ورفعنا زيفَ شعارات.. ونسينا ماضينا المشرق.. إذ دوّى في الغرب وفي المشرق.. صوت من عز وثبات.. نحن حماة .. نحن أباة.. الأمة.. أرض مغصوبة.. وكرامة شعب مسلوبة.. قيمٌ .. أخلاق مصلوبة.. الأمة.. حتماً منصوبة..
3/ من قال ( الأمة ) مجرورة.. من قال ( الأمة ) منصوبة.. هذي أباطيل مصنوعة.. والحق ستضاء شموعه.. وستبقى أصداءً مسموعة.. ( الأمة ) دوماً مرفوعة.. ترفعها أيدٍ مجموعة.. تتعالى عن مُتَع وضيعة.. لله.. نذرتْ مَحْياها.. لله .. توحّد مسعاها.. وله قد ذرفتْ عيناها.. واشتغلت بالخير يداها.. ترفعها أفكار صافية.. وعقول قد ملئت حكمة.. وشريعتها نبع عذب.. مصدرها الذكر أو السنة.. بالعلم تنار بصيرتها.. بالهدْي تحاكُ مسيرتها.. لا ترضى أبداً بالظلمة.. ومُنَاها أن ترقى القمة.. تعرف أن خلاص الأمة.. أن تعرف ربها في الرغدِ.. كما تعرفه حين الشدة.. تدعوه.. تصلي في الظلمة.. تدعو بالفعل وبالكلمة.. تنصر دين الله مهما.. اسودّ من الباطل غيمه.. تعتز بأن مُنّ عليها.. بالدين .. وتشكر ذي النعمة.. لا تقفو خطوة شيطانٍ.. بالمكر يقود إلى المحنة.. تسمو عن أطياف الدنيا.. لا تحلم إلا بالجنة.. الأمة دوماً مرفوعة.. وعلامة رفع الأمة ..
هي الهمة..